ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً).
أما بعد فيقول الله سبحانه وتعالى (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) ويقول سبحانه وتعالى (ومن يقاتل في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة) نعم انها الهجرة من مكة إلى المدينة إنها مفارقة الأهل والبلد والمال والأحباب ولم تكن الهجرة من مكة إلى المدينة سياحة رغب فيها المهاجرون ولم تكن أرض مكة أرض وباء أو دار قلة ليفرح المهاجرون إلى غير الهجرة عنها وإنما جاء أمر الهجرة تكليفاً من تكاليف العقيدة التي آمنوا بها وضرورة استلزمتها رسالة الإسلام باللجوء إلى غيرها حين ضاقت مكة بهذه الدعوة وأخذ صناديدها من يؤمن بها وأخذت الآفاق أمام انتشارها وإبلاغها للعالمين كان لابد من الهجرة لمكان آخر يأمن فيه المؤمنون وتقام فيه شعائر الدين فهذه الهجرة هجرة المؤمنين من مكة إلى المدينة النبوية لها أسباب منها اضطهاد المؤمنين عند البخاري أن بلالا رضي الله عنه قال بعد هجرته للمدينة ومرضه بها اللهم إلعن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء منها طلب ما عند الله سبحانه وتعالى يقول خباب رضي الله عنها هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله سبحانه وتعالى أخرجه البخاري وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها انها قالت استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبوبكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى فقال له أقم فقال يا رسول الله اتطمع ان يؤذن لك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اني لأرجو ذلك فانتظره أبوبكر ومن أسباب الهجرة إلى المدينة خوف الفتنة في الدين يقول عطاء بن أبي رباح زرت عائشة رضي الله عنها مع لبيد ابن عمير فسألها عن الهجرة فقالت لا هجرة اليوم كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يفتن فيه فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية خرجه البخاري ومن الأسباب تكذيب قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم فها هو سعد بن معاذ يقول اللهم إنك تعلم انه ليس أحد أحب ان اجاهده فيك من قوم كذبوا نبيك واخرجوه من قريش رواه البخاري ومما يؤكد صلاح قصد المهاجرين انه لم يكن ثمة أرض أوبأ من المدينة التي أمروا بالهجرة إليها ففي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت فإن المدينة وهي أوبأ أرض الله اخرجه البخاري كما تقدم ولم يسلم المهاجرون من هذا الوباء بل نلهم منه ما نالهم بعث أبوبكر وبلال رضي الله عنهما وربما غيرهما فكان أبوبكر إذا أخذته الحمى يقول.
كل امرىء مصبح في أهله
والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا اقلع عنه حمى يرفع.. يقول
الا ليت شعري لأبيتن ليلة
بواد وحولي اذخر وجديل
وأن أرد اليوم مياه نهر جنة
وهل يبلغني شامة وظفيد
[size=12]يتذكر مكة وما فيها من الأماكن والأشجار وعلى أثرها ما أصاب المسلمين و ما قد يصحبه من ضيق أو كره لأرض الهجرة توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه بالدعاء فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها في الجحفة خرجه الإمام البخاري ولقد كان خبر ومكان هجرته صلى الله عليه وسلم معلوماً عند الأمم السابقة ففي حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه في قصة إسلامه أن عالم النصارى قال له اظلك زمان النبي هو مبعوث بدين ابراهيم يخرج في أرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما خلاة الحديث رواه الإمام أحمد وسنده صحيح وأعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمكان الهجرة فعند مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب.. إلى انها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب يقول الإمام ابن اسحاق غفر الله له لما اذن الله في الحرب بقوله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله) الآية.. فلما اذن الله في الحق وبايعه هذا الحي من الانصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه وآوى اليه من المسلمين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج الى المدينة والهجرة اليها واللحوق باخوانهم من الانصار فخرجوا.. رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر ان يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة الى المدينة فكان أول من هاجر الى المدينة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش من بني مخزوم ابو سلمة رضي الله عنه وكانت هجرته اليها قبل بيعة العقبة بسنة حين آذته قريش مرجعته من الحبشة فعزم على الرجوع اليها ثم بدره ان بالمدينة لهم اخواناً فعزم اليها ..
يتبع...