في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية ، منها : 1- من صفات الداعية : الحرص على تعليم الناس الخير . 2 - من موضوعات الدعوة : الحث على تخليص أسرى المسلمين من أعداء الإِسلام . 3 - من موضوعات الدعوة : الحض على إطعام الطعام . 4 - من موضوعات الدعوة : الحث على عيادة المرضى . 5 - من موضوعات الدعوة : الحض على إجابة الدعوة . والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي : أولا : من صفات الداعية : الحرص على تعليم الناس الخير :
ظهر في هذا الحديث أن من صفات الداعية المخلص الحرص على تعليم الناس الخير
؛ ولهذا حرص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - على ذلك حرصا بالغا
، فحث أمته على تخليص أسرى المسلمين من أيدي أعداء الدين ، وحضهم على
إطعام الفقراء والمساكين ، من الآدميين وغيرهم ، ورغبهم وأمرهم بعيادة
المرضى وإجابة دعوة الداعي . فينبغي لكل مسلم أن يحرص على نفع إخوانه ،
ويتأكد ذلك على الداعية المخلص ، والله المستعان . ثانيا : من موضوعات الدعوة : الحث على تخليص أسرى المسلمين من أعداء الإسلام :
إن من الموضوعات المهمة حث المسلمين على تخليص أسراهم من أيدي أعداء
الإسلام بأي وسيلة كانت : سواء كان ذلك بالجهاد ، أو بالفِداء ، أو
بمبادلة الأَسرى ، أو بغير ذلك من الوسائل المشروعة ؛ ولهذا أمر النبيُّ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - بفك الأسير فقال : فكُّوا العاني
. . . " ؛ ولأهمية ذلك فإن المسلمين لو كان عندهم أسارى ، وعند المشركين
أسارى ، واتفقوا على المفاداة تعينت ، ولم تُجْزِ مفاداة أسارى المشركين
بالمال .
فينبغي للداعية إلى الله - عز وجل - أن يحث على ذلك ويُرَغِّب فيه ؛
لعناية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وأمره بفك الأسرى وحثه
على ذلك . ثالثا : من موضوعات الدعوة : الحض على إطعام الطعام :
إن إطعام الجائع والحث عليه من الموضوعات المهمة في الدعوة إلى الله - عز
وجل ؛ ولهذا أمر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - في هذا
الحديث فقال : " . . . وأطعموا الجائع وهذا فيه حفاظٌ على صحة الجائع وحياته ، وصيانة لكرامته ؛ ولأهمية إطعام الطعام فقد ثبت من حديث عبد الله بن سلام
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال : لما قدم النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم - المدينة انجفل الناس قِبَلَه ، وقيل : قدم رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم ، قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم . ثلاثا . فجئت
في الناس ؛ لأنظر ، فلما تبيَّنتُ وجهه عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب ،
فكان أوَّل شيء سمعته تكلم به أن قال : يا أيها الناس ، أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام [ . وعن أبي مالك الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أنه قال :
إن في الجنة غُرفا يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها أعدها الله
لمن أطعم الطعام ، [ وأفشى السلام ] ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى
بالليل والناس نيام . وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :
إن في الجنة لَغُرَفا يُرى ظهورها من بطونها وبُطونُها من ظهورِها " فقام
إليه أعرابي فقال : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : " هي لمن أطاب الكلام ،
وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام .
والمقصود أن هذا الحديث العظيم فيه حث على هذه الخصال الكريمة : إطعام
الطعام ، وإفشاء السلام ، وطيب الكلام ، وإدامة الصيام ، والصلاة بالليل
والناس نيام ؛ فإن من عمل ذلك كانت له هذه الغرف ، وهي جمع غرفة : أي
علالي في غاية اللطافة ونهاية الصفاء والنظافة ، وهي شفافة لا تحجب من
وراءها ، وهي مخصصة لمن له خلق حسن مع الناس ، وخاصة بمن يُطيِّب الكلام ؛
لكونه من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون
قالوا سلاما ، وهي لمن أطعم الطعام : للعيال ، والفقراء ، والأضياف ونحو
ذلك ، ولمن أدام الصيام : أي أكثر منه بعد الفريضة ، وأقله أن يصوم من كل
شهر ثلاثة أيام ، وصلى بالليل والناس نيام : أي غالبهم نيام أو غافلون عنه
، لأن العمل بالليل والناس نيام لا رياء فيه ولا سمعة ، وهذا يؤكد على أن
من فعل ذلك فقد بلغ الغاية العظمى في الإِخلاص لله - عز وجل - وقد ذكر الله هذه الغرف في القرآن الكريم فقال - عز وجل - :
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا
غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ
لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ [/url] وقال الله عز وجلَّ :
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ
الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [/url] . رابعا : من موضوعات الدعوة : الحث على عيادة المريض :
إن عيادة المريض من الموضوعات المهمة التي ينبغي للداعية أن يحث الناس
عليها ؛ لأن المريض بحاجة إلى تفقد أحواله ، والتلطف به ، وتكون عيادته
سببا في نشاطه وقوته وصبره في الغالب ؛ لأنه يستأنس بزيارة إخوانه ويدافع
المرض مع ما في ذلك من الثواب العظيم ؛ ولهذا أمر النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم - في هذا الحديث بعيادة المريض فقال : " . . . وعودوا المريض . . . " وهذا يؤكد أهمية العيادة لمرْضَى المسلمين . خامسا : من موضوعات الدعوة : الحس على إجابة الدعوة :
إن إجابة الدعوة من الموضوعات التي ينبغي للداعية أن يحث الناس عليها ،
ويرغبهم فيها ، ويخوفهم من عدم إجابتها ؛ ولهذا أمر النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم - في هذا الحديث بإجابة الدعوة فقال : . . . وأجيبوا الداعي . . . . " . وقد حض النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - على إجابة الداعي في أحاديث كثيرة ، منها ما ثبت عن عبد الله بن عمر [/url] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قال : إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وعن أبي هريرة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول : " شر الطعام طعامُ الوليمة يدعى
لها الأغنياء ويترك الفقراء ، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله - صلى
الله عليه وسلم - " وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : مَنْ دُعِيَ إلى عرس أو نحوه فليجب ، وفي لفظ إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه . .
وهذه الأحاديث تؤكد أهمية إجابة الدعوة والحض عليها سواء كانت لعرس أو
غيره ، ولكن تسقط إجابة الدعوة بأعذار منها : أن يكون في الطعام شبهة
واضحة ، أو يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء ، أو يكون هناك من يتأذَّى
بحضوره معه ، أو لا تليق به مجالسته ، أو يدعوه لخوف شره أو لطمع في جاهه
، أو لِيُعان على باطل ، وأن لا يكون هناك منكر من : خمر ، أو لهو ، أو
فرش حرير أو آَنية ذهب وفضة ، أو صور إنسانِ ، أو حيوان غير مفروشة أو غير ذلك مما حرمه الله ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - " ورأى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
رأى صورة في البيت فرجع " ؛ وقد ذكر الإِمام القرطبي رحمه الله : أن الوليمة إذا كان فيها منكر فلا يجوز حضورها عند كافة العلماء . إلا إذا أمكنه الإِنكار وإزالة المنكر لزمه الحضور والإِنكار ؛ لأنه يؤدي فرضين : إجابة دعوة أخيه المسلم وإزالة المنكر
ومن الأعذار في عدم الإجابة أن يعتذر إلى الداعي فيتركه ويعفو عنه ، وقد
بالغ بعض الصحابة - رضي الله عنهم - في ترك إجابة الدعوة إذا وجد فيها بعض
المكروهات ، لْقد دعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سِترا على الجدار فقال ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما : غلبنا عليه النساء ، فقال : من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك ، والله لا أطعم لكم طعاما فرجع قال ابن قدامة
رحمه الله : " فأما ستر الحيطان بستور غير مصورة ؛ فإن كان لحاجة من وقاية
حرٍّ أو بردٍ فلا بأس ؛ لأنه يستعمله في حاجته ، فأشبه الستر على الباب ،
وما يلبسه على بدنه ، وإن كان لغير حاجة فهو مكروه وعذر في الرجوع عن
الدعوة وترك الإِجابة " ؛ وإنما كره لما فيه من السرف .
والذي ينبغي للداعية أن يحض على إجابة الدعوة وإزالة المنكر أو المكروه ،
فإذا لم يستطع الإِنكار أو لم يزل المنكر فلا حرج في عدم الإِجابة إلا إذا
ترتب على ذلك منكر أنكر منه ؛ فإنه يجيب ويرتكب أدنى المفسدتين لتفويت
كبْرَاهما ، والله المستعان