ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتله إياه
على سياق رواية أبي أمامة رضي الله عنه
مضافاً إليه ما صح عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم
حديث أبي أمامة رضي الله عنه مع تخريجه
(1- يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال.
2- وإن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا حذّر أمته الدجال.
3- وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم.
4- وهو خارج فيكم لا محالة.
5- فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم؛ فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي؛ فكل امرئٍ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم.
6- وإنه يخرج من خلّة بين الشام والعراق، فيعيث يميناً وشمالاً، يا عباد الله! فاثبتوا.
7- فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي:
8- إنه يبدأ فيقول: أنا نبي، ولا نبي بعدي.
9- ثم يثني فيقول: أنا ربكم. ولا ترون ربكم حتى تموتوا.
10- وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور.
11- وإنه مكتوب بين عينيه: كافر.
12- يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب.
[42]
13- وإن من فتنته؛ أن معه جنة وناراً، فناره جنة، وجنته نار.
14- فمن ابتلي بناره؛ فليستغث بالله، وليقرأ فواتح (الكهف).
15- فتكون عليه برداً وسلاماً ؛ كما كانت النار على إبراهيم.
16- وإن من فتنته؛ أن يقول لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني! اتّبعه؛ فإنه ربك.
17- وإن من فتنته؛ أن يسلط على نفسٍ واحدة فيقتلها.
18- وينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا؛ فإني أبعثه الآن؛ ثم يزعم أن له رباً غيري. فيبعثه الله ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله، أنت الدجال، والله؛ ما كنت قط أشد بصيرة بك مني اليوم.
19- وإن من فتنته؛ أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت.
20- وإن من فتنته؛ أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت.
21- وإن من فتنته؛ أن يمر بالحي فيصدّقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه، وأمدّه خواصر، وأدرّه ضروعاً.
[43]
22- وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه؛ إلا مكة والمدينة.
23- لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة.
24- حتى ينزل عند الضريب الأحمر عند منقطع السبخة.
25- فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه.
26- فتنفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد.
27- ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص.
28- فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله! فأين العرب يومئذٍ؟ قال: هم يومئذٍ قليل.
29- وجلّهم ببيت المقدس.
30- وإمامهم رجل صالح.
31- فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح؛ إذ نزل عليهم عيسى بن مريم، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصلّ؛ فإنها لك أقيمت . فيصلي بهم إماماً.
[44]
32- فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب- فيُفتح، ووراءه الدجال.
33- معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج.
34- فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء.
35- وينطلق هارباً، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها.
36- فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله.
37- فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء؛ لا حجر، ولا شجر، ولا حائط، ولا دابة- إلا الغرقدة؛ فإنها من شجرهم لا تنطق- إلا قال يا عبد الله المسلم! هذا يهودي فتعال فاقتله.
38- وإن أيامه أربعون سنة.
39- السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة.
40- وآخر أيامه كالشررة.
41- يصبح أحدكم على باب المدينة؛ فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي.
42- فقيل له: كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال، ثم صلوا.
[45]
43- فيكون عيسى ابن مريم عليه السلام في أمتي حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره.
44- وتفرُّ الوليدة الأسد فلا يضرّها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها.
45- وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثورة الفضة تنبت نباتها بعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، يكون الثور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس بالدريهمات.
46- قالوا: يا رسول الله! وما يرخص الفرس؟ قال: لا تركب لحرب أبداً.
47- قيل: فما يغلي الثور؟ قال: تحرث الأرض كلها.
48- وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرا، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله
[46]
السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كلها، فلا تنبت خضراء، فلا تبق ذات ظلف إلا هلكت؛ إلا ما شاء الله.
49- قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام).
[47]
تخريج الحديث
أخرجه بهذا التمام ابن ماجه (2/512-516)
والروياني باختصار (30/8/-0/ و10/1)
عن إسماعيل بن رافع عن أبي زرعة السيباني يحيى ابن أبي عمرو [عن عمرو بن عبد الله الحضرمي] عن أبي أمامة الباهلي قال:
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه، فكان من قوله أن قال: فذكره بطوله.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عمرو بن عبد الله الحضري لم يرو عنه غير السيباني، ولم يوثقه غير ابن حبان (1/185)، ولذلك قال الحافظ:
((مقبول)).
وإسماعيل بن رافع ضعيف الحفظ.
لكنه قد تابعه ضمرة بن ربيعة: نا السيباني به؛ إلا قوله:
((قالوا: يا رسول الله ! وما يرخص الفرس.... )) إلى آخر الحديث.
أخرجه حنبل بن إسحاق الشيباني- ابن عم الإمام أحمد – في ((الفتن)) (ق52/1-53/2) وتمامه في ((الفوائد)) ((3/37/1- 38/1 ) والآجري في ((الشريعة)) (ص375) – ولكنه لم يسق لفظه، وإنما أحال به على حديث النواس الآتي- وابن أب عاصم في ((السنة)) (رقم 391- بتحقيقي) ، وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (ص138-13) ، وأبو داود (2/213)،
[48]
والطبراني في ((المعجم الكبير)) (8/7645 و25/295/48)، وابن عساكر في ((التاريخ)) (1/611-614/ط).
قلت: وضمرة بن ربيعة قال الحافظ:
((صدوق، يهم قليلاً)).
وتابعه أيضاً عطاء الخراساني عن يحيى به؛ إلا قوله:
((ثم صلوا، فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكماً ... )) إلى آخر الحديث أخرجه الحاكم (4/536-537) وقال:
((صحيح على شرط مسلم))! ووافقه الذهبي!
قلت: وهذا من أوهامهما، فإن عمراً الحضرمي لم يخرج له مسلم شيئاً وعطاء- وهو ابن أبي مسلم الخراساني- وإن أخرج له مسلم، فهو يهم كثيراً ويدلس، وقد عنعنه، فأنّى لإسناده الصحة؟!
[49]
القسم الثالث
تخريج فقرات القصة
لكن الحديث غالبه صحيح قد جاء مفرقاً في أحاديث؛ إلا قليلاً منه، فلم أجد ما يشهد له أو يُقويه؛ كما سيأتي بيانه، ولتسهيل توضيح ذلك على القارئ وتخريجه علي؛ جعلته فقرات بأرقام متسلسلة، فأقول:
1- جاءت هذه الفقرة في أحاديث:
الأول عن هشام بن عامر مرفوعاً بلفظ:
((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال
(وفي رواية: فتنة أكبر من فتنة الدجال) )).
أخرجه مسلم (8/207)، والحاكم (4/528)، وأحمد (4/20و21)، والرواية الأخرى إحدى روايتيه، وهي رواية الحاكم، وزاد:
((عند الله)). وقال:
((صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه)).
كذا قال، ولعله يعني بلفظه المشار إليه؛ وإلا فمسلم قد أخرجه كما ذكرته، وأخرجه الداني أيضاً (176/2-177/1)، وزاد: ((قد أكل الطعام، ومشى في الأسواق)).
[50]
الثاني: عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما أهبط اله تعالى إلى الأرض- منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة- فتنة أعظم من فتنة الدجال ، وقد قلت فيه قولاً لم يقله أحد قبلي:
إنه آدم جعد، ممسوح عين اليسار، على عينه ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويقول: أنا ربكم. فمن قال: ربي الله، فلا فتنة عليه، ومن قال: أنت ربي. فقد افتتن، يلبث فيكم ما شاء الله، ثم ينزل عيسى ابن مريم مصدقاً بمحمد صلى الله عليه وسلم على ملته، إماماً مهديّاً، وحكماً عدلاً، فيقتل الدجال)).
فكان الحسن يقولك ونرى ذلك عند الساعة.
رواه الطبرني في ((الكبير)) و((الأوسط))، ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف ما لا يضر؛ كما قال في ((مجمع الزوائد)) (7/336).
ولجملة العين شاهد من حديث أنس بلفظ:
((إن الدجال أعور العين الشمال، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر)).
رواه أحمد (3/115 و201) بسند صحيح.
الثالث: عن حذيفة قال:
ذكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
((لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدال، ولن ينجو أحد مما
[51]
قبلها إلا نجا منها، وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا – صغيرة ولا كبيرة- إلا لفتنة الدجال)).
أخرجه أحمد (5/389)، وابن حبان (1897)( ).
قلت: وإسناده صحيح، ورجاله ثقات رجال الشيخين، وقال الهيثمي (7/335):
((رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال (الصحيح) )).
الرابع: عن جابر بن عبد الله، ويأتي حديثه (ص89-90).
2-ويشهد لهذه الفقرة أحاديث:
الأول: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال:
(( إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه؛ [لقد أنذره نوح قومه]، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: [تعلّموا] أنه أعور، وإن الله ليس بأعور)).
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (11/390/20820)، وعنه أحمد (2/149)،
[52]
والبخاري (13/80-81فتح)، والسياق له، ومسلم (8/193)، والزيادتان له، وكذا الترمذي (2236)، وأبو داود (4757)، وابن منده في ((الإيمان)) (96/2) من طريق سالم بن عبد الله عنه ، والخطيب في ((التاريخ)) (7/183-184).
وفي رواية لأحمد (2/135)، وابن منده (97/1) من طريق محمد بن زيد أبي عمر بن محمد قال: قال عبد الله: فذكره نحوه بلفظ:
((ما بعث الله من نبي إلا قد أنذره أمته؛ لقد أنذره نوح صلى الله عليه وسلم أمته، والنبيون عليهم الصلاة والسلام من بعده، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور)).
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه ابن حبان (1896)، وابن منده في ((التوحيد)) (82/2) من طريق ثالثة عنه نحوه، وزاد:
((وأنه بين عينيه مكتوب: كافر؛ يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب)).
وسنده صحيح.
وروى البخاري (3440)، ومسلم (1/107) من طريق نافع عن ابن عمر في حديث طويل وفيه:
((إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى؛ كأن عينه عنبة طافية)) وهو مخرج في ((الصحيحة)) (1857).
[53]
الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر؛ [يقرؤه كل مسلم] )).
أخرجه البخاري (13/85)، ومسلم (8/195)، وأبو داود (2/213)، والترمذي (2246) وصححه، وأحمد (3/103 و173 و276 و290)، وحنبل (ق51/2)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (ص32)، وابن منده (97/1)، والزيادة لمسلم وأحمد وغيرهما.
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري في ((المجمع)) (7/336-337)، وأسماء بنت يزيد الأنصارية؛ وسيأتي إن شاء الله (ص75-77)، وعن عائشة؛ ويأتي قريباً (ص59)، وعن أم سلمة أيضاً (ص60).
2-هذه الفقرة جاءت مفرقة في حديثين أو أكثر:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلت: وذكر حديث فضل الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم)، ((فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد)).
آخرجه مسلم (4/135).
وشواهده كثيرة جداً؛ كالحديث المشهور في حق علي:
((أنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ غير أنه لا نبي بعدي)).
أخرجه أحمد والشيخان وغيرهما من طرق، ولا مجال لذكرها الآن.
[54]
الثاني: عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب، يقال: أين الأمة الأمية؟ فنحن الآخرون الأولون)).
أخرجه ابن ماجه(2/575).
قلت: وإسناده صحيح؛ كما قال البوصيري في ((زوائده)) (265/1).
الثالث: عن معاوية بن حيدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إنكم وفّيتم سبعين أمة، أنتم آخرها، وأكرمها على الله عز وجل)).
أخرجه الدارمي (2/313)، وأحمد (5/3و5).
قلت: وإسناده حسن، وهو في ((المشكاة)) (6294) بنحوه.
4- لم أجد لهذه الفقرة شاهداً من لفظها، وأقرب شيء رأيته حديث أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق يقول:
((يخرج أعور الدجال مسيح الضلالة قِبَلَ المشرق في زمن اختلاف الناس وفرقة، فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض في أربعين يوماً- الله أعلم ما مقدارها- فيلقى المؤمنون شدة شديدة، ثم ينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء، فيؤم الناس( )، فإذا رفع رأسه من ركعته قال: سمع الله لمن حمده، قتل الله المسيح الدجال، وظهر المسلمون)).
[55]
فأحلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا القاسم الصادق المصدوق قال:
((إنه لحق، وإما إنه قريب، فكل ما هو آتٍ قريب)).
قال الهيثمي(7/349):
((رواه البزار، ورجاله رجال ((الصحيح))؛ غير علي بن المنذر، وهو ثقة)).
وقال الحافظ (13/85):
((إسناده جيد)) ( ).
والأحاديث المصرّحة بخروجه كثير؛ سيأتي بعضها إن شاء الله تعالى؛ لكن ليست فيها لفظ مؤكدة كقوله: ((لا محالة))؛ أو: ((إنه لحق))؛ بل إن أحاديث الدجال كلها تؤكد خروجه، وحديثه صلى الله عليه وسلم كله حق وصدق؛ سواء كان مقروناً بصيغة من صيغ التأكيد أو لا، ﴿وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى﴾ [النجم: 3و4].
نعم روى الداني في ((الفتن)) (141/1) عن الحسن مرسلاً في عيسى عليه السلام:
((وإنه نازل لا محالة، فإذا رأيتموه فاعرفوه ... )).
والحديث أخرجه ابن حبان أيضاً (1904) عن صالح بن عمر: أنبأنا عاصم بن كليب عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقولك فذكره دون قوله: ((أحلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... )).
وإسناده صحيح.
[56]
وجملة الغضبة أخرجها مسلم (8/194)، وابن حبان (6755)، وأحمد (6/284).
5- لهذه الفقرة شواهد كثيرة؛ أذكر منها ما تيسّر:
الأول: عن النواس بن سمعان قال:
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال:
((غيرُ الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم؛ فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم؛ فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم.
إنه شاب قَطط، عينه طافئة؛ كأني أشبّهه بعبد العزى بن قطن.
فمن أدركه منكم؛ فليقرأ عليه فواتح سورة (الكهف)؛ [فإنها جواركم من فتنته].
إنه خارج خلةً بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله! فاثبتوا)).
قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟
قال: ((أربعون يوماً؛ يوماً كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم)).
قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة؛ أتكفينا فيه صلاة يوم؟
[57]
قال: ((لا؛ اقدروا له قدره)).
قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟
قال: ((كالغيث استدبرته الريح.
فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر.
ثم يأتي القومَ فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيدهم شيء من أموالهم.
ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل.
ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك.
فبينما هو كذلك؛ إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهى حيث ينتهي طرفه.
فيطلبه حتى يدركه بباب (لدّ) فيقتله، ثم يأتي عيسى ابنَ مريمَ قومٌ قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك؛ إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحدٍ
[58]
بقتالهم، فحرّز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمرّ آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماءً. ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه؛ حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغبُ نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النّغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابهم إلى الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل طيراً كأعناق البُخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكنُّ منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمركتك، وردّي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرّمانة، ويستظلون بقحفها، ويُبارك في الرّسل؛ حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لكتفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة)).
أخرجه مسلم (8/197-198)، وأبو داود(2/213)- ببعض اختصار، والزيادة له، وإسناده صحيح- والترمذي (2241)، وابن ماجه (2/508-512)، والأجري في ((الشريعة)) (ص376)، وأحمد (4/181-182)، وحنبل (49/1-51/1)، وابن منده في ((الإيمان)) (94/1)، وابن عساكر (1/606-609).
[59]
الثاني: عن جبير بن نفير عن أبيه مرفوعاً مثله؛ دون قوله:
(قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض .... ).
أخرجه الحاكم (4/530-531) وقال:
((صحيح الإسناد)). ووافقه الذهبي.
وأقول: بل هو صحيح على شرط مسلم، رجاله كلهم ثقات من رجاله.