قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في ترجمة القاضي أبي بكر محمد بن عبدالباقي البغدادي البزاز الأنصاري ( ت 535 ببغداد ) :قال الشيخ الصالح أبو القاسم الخراز
الصوفي البغدادي :سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبدالباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول:
كنت مجاوراً بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوماً من الأيام جوع شديد ولم أجد شيئاً ادفع به عني الجوع، فوجدت كيساً من إبريسم مشدوداً بشرابة من إبريسم أيضاً، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقداً من لؤلؤ لم أر مثله، فخرجت فإذا بشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسمئة دينار وهو يقول :هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ،فقلت: أنا محتاج ،وأنا جائع ، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه الكيس.
فقلت له: تعال إلى فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس وعلامة الشرابة،وعلامة اللؤلؤ وعدده،والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه،فسلم إلى خمسمئة دينار، فما أخذتها ،وقلت :يجب علي أن أعيده إليك، ولا آخذ له جزاء، قال لي:
لا بد أن تأخذ وألح علي كثيراً، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى .
وأما ما كان مني،فإنني خرجت من مكة وركبت البحر،فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت أموالهم ، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم،فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ،فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إلي وقال :علمني القرآن ، فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال .
ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا ًمن مصحف ، فأخذتها أقرأ فيها ، فقالوا لي:تحسن
تكتب؟فقلت:نعم،فقالوا:علمنا الخط، فجاؤوا بأولادهم من الصبيان والشباب،فكنت أعلمهم،فحصل لي أيضاً من ذلك شيء كثير،فقالوا لي بعد ذلك:عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها،فامتنعت،فقالوا:لا بد وألزموني،فأجبتهم إلى ذلك.
فلما زفوها إلى مددت عيني أنظر إليها،فوجدت ذلك العقد بعينه معلقاً في عنقها،فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه،فقالوا:يا شيخ!كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد،ولم تنظر إليها،فقصصت عليهم قصة العقد،فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة،فقلت:ما بكم؟فقالوا:ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية،وكان يقول:ما وجدت في الدنيا مسلماً إلا هذا الزي رد علي هذا العقد، وكان يدعو ويقول :اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي،ولآن قد حصلت،فبقيت معها مدة،ورزقت منها بولدين.
ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي، فبعته بمئة ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال .